حروب الجيل الخامس- تفتيت الوحدة الوطنية عبر وسائل التواصل

المؤلف: محمد الساعد10.16.2025
حروب الجيل الخامس- تفتيت الوحدة الوطنية عبر وسائل التواصل

إن إثارة الفتنة بين المجتمعات وتحريضها ضد بعضها البعض، يُعد تكتيكًا خبيثًا في الحروب "الدنيئة" التي تشنها أجهزة الاستخبارات المعادية ضد الدول والشعوب. وقد تفاقمت هذه الضراوة بشكل ملحوظ عقب الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وما أتاحته من سهولة الوصول إلى مناطق كانت منيعة على الدول المعادية، والتي لم يكن اختراقها ممكنًا إلا عبر الجواسيس والمتسللين والمتآمرين.

إنه الجيل الخامس من الحروب، الذي يمكّن الدول والعصابات والتنظيمات العابرة للحدود من شن هجمات على خصومها باستخدام جهاز حاسوب وميزانية زهيدة لا تتعدى المئة دولار لكل مرتزق، وذلك بهدف تحقيق السيطرة أو التشويه أو التلاعب. وعلى الرغم من أن الدعاية والاغتيال المعنوي كانا ولا يزالان من الأدوات المفضلة في الحروب، إلا أن تدمير البنى الاجتماعية وتفتيت النسيج الموحد يشكل الخطر الأكبر في الوقت الراهن.

تعرف حروب الجيل الخامس علميًا بأنها "حرب تُشن بشكل أساسي من خلال عمل عسكري غير حركي، عبر الهندسة الاجتماعية، ونشر المعلومات المضللة، ويشار إليها على أنها حرب تضليل المعلومات واختطاف الإدراك". وتهدف الدول أو العصابات أو التنظيمات التي تستخدم هذا النوع من الحروب إلى استنزاف خصومها نفسيًا ومعنويًا، وتشويه سمعتهم في محيطهم، لتحقيق الاقتتال الداخلي عبر إلقاء اللوم ودفع المكونات الاجتماعية إلى التفكك والاصطدام مع الدولة أو مع بعضها البعض أو مع الشعوب الأخرى. ويُستخدم فيها التلاعب العاطفي، واستغلال الحماسة الوطنية في غير موضعها، بهدف إحداث الوقيعة بين المكونات، وتوظيف القضايا الخلافية الداخلية أو الخارجية لصالح الانقسام، وتحريض الناس على خدمة أهداف الدول المعتدية دون وعي منهم. وقد يتم اللجوء فيها إلى أدوات أخرى، مثل إغراق البلد بالمخدرات والمشاكل الاجتماعية والقومية، مما يساهم في إضعاف الجهة المستهدفة".

لقد أدرك الأعداء أن الوحدة الوطنية لأي دولة هي الحصن المنيع، ولذلك فإنهم يسعون جاهدين إلى اختراق هذه الوحدة وتفكيكها. فلو لم يكن هناك التفاف حول الوطن وقيادته وقضاياه المصيرية، لسقطت دول كثيرة من أول صدمة.

لطالما كان الاتحاد الأوروبي والإنجازات الاقتصادية والثقافية والأمنية الهائلة التي حققها لدوله وشعوبه، محط إعجاب العرب. إعجاب لا يتجاوز حدود الكلام، أو الحوارات التلفزيونية. وإذا أراد محلل عربي في أحد البرامج التلفزيونية أن يتحدث عن الوحدة العربية، فإنه غالبًا ما يوجه اللوم إلى الحكومات والشعوب لعدم قدرتهم على العمل بنفس طريقة الاتحاد الأوروبي.

لقد يسرت وسائل التواصل الاجتماعي الاشتباكات عبر الشاشات، وهي اشتباكات وهمية تخاض باسمك ودون علمك بواسطة "عصابات عابرة للحدود" مكلفة بتحويل المناخ السائد إلى خصومات متتالية، وذلك بهدف تجاوز الحقائق الراسخة التي لا تعبر إلا عن دور متناهي الصغر أحيانًا، أو لتجاوز ثوابت التراث والجغرافيا، أو لتحقيق مكاسب شخصية في بعض الأحيان.

مما لا شك فيه أن حروب "المنصات" الاجتماعية قد أزالت الحدود، ودفعت الدهماء إلى تولي القيادة، وبدلًا من تقويم دورهم، ينخرط العقلاء في تلك المناوشات.

لقد أصبح العدو -سواء كان منظمة، دولة، أو فردًا- قادرًا من خلال جهاز حاسوب على التواصل مع مواطن في بلد آخر دون أي رادع. وإذا استطاع الهيمنة على العقل الجمعي، واقتياد الشارع إلى جانبه، وتكوين تفكير موحد في قضية ما، فسيصبح من السهل عليه تحريك الجماهير نحو تحقيق مصالحه. وهنا يكمن الخطر الحقيقي، في حروب تسعى لخلق نزاعات غير مباشرة، بهدف إشعال الفتن والانقسامات، وتستخدم فيها الأساليب النفسية، والدينية والاقتصادية، والفنية، والرياضية، لإحداث الفوضى والوصول إلى غايات سياسية ضيقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة